"مغرورون وعنصريون".. كورونا تعيد إحياء "النسخة المقيتة" للفرنسيين
لعل الروائي الفرنسي "أندري نوروا"، لو كان حيا بيننا في الظرفية القاسية الحالية، كان سيعيد تذكير أبناء جلدته بمقولته الشهيرة "في وقت الشدة تنكشف الأخلاق"، ولربما انبرى، وهو المتخصص في كتابة السير، إلى تدوين سيرة "فرنسا في زمن كورونا"، الجمهورية التي اختارت إسقاط شعار ثورتها "الحرية، المساواة، الإخاء"، واستبداله بشعار أنطوانيت دو بومبادور، عشيقة الملك الفرنسي لويس الخامس عشر، حين دعته إلى البحث عن مصالحه دون الالتفات إلى غيره قائلة "أنا وبعدي الطوفان".
فـ"بلاد الأنوار" التي ظلت لعقود تتباهى بـ"تنوعها وقبولها لجميع الأجناس"، سقطت بشكل ذريع في امتحان الأخلاق أمام أنظار العالم في زمن الجائحة، ليس فقط عندما اختارت منع المساعدات عن جيرانها الإيطاليين والإسبان مدة طويلة حتى غرقوا في مستنقع الوباء، ضاربة عرض الحائط شعار "أوروبا جسد واحد"، لكن أيضا عندما لم يجد سياسيوها وإعلامها أي نقيصة في دعوة بعض من علمائها إلى تجريب لقاح كورونا على الأفارقة.
لنجرب في الأفارقة
ولم يكن منطوق مقترح البروفيسور جون بول ميرا، رئيس قسم الإنعاش بمستشفى كوشين الباريسي، حول تجريب اللقاحات الجديدة على الأفارقة، الذي عرضه على كامي لوشيت مدير الأبحاث بالمعهد الوطني للصحة والأبحاث الطبية، خلال حوار جمعهما على قناة "LCI" التابعة لشبكة "TF1" العمومية، وحده المثير للاستغراب، بل حتى تعاملهما مع الأمر ببرودة شديدة وإقرارهما بأنه تم بالفعل في حالات أخرى.
وخلال هذا الحوار، الذي لم يصدر أي توضيح أو شجب بخصوصه من أي جهة رسمية بفرنسا أو من طرف إدارة القناة، قال ميرا مخاطبا لوشيت المتحدث عن أبحاث حول اللقاح الجديد لفيروس "كوفيد 19": "ألا يمكننا تجربة الأمر في إفريقيا، حيث لا توجد كمامات ولا نظام صحي، كما فعلنا في دراسات أخرى كتلك المتعلقة بالسيدا حينما جربنا الأمر على بائعات الهوى"، ليرد عليه الثاني بكل برود "معك حق، نحن نفكر في إجراء تجارب بالفعل في إفريقيا، وهناك طلبات عروض في الأفق".
ليست المرة الأولى
وعلى الرغم من المحتوى الصادم لحديث الخبيرين الفرنسيين، إلا أنه لن يكون مستغربا لمن عاين كيف تعاملت فرنسا، انطلاقا من الرئيس إيمانويل ماكرون ومرورا بوسائل الإعلام، مع باقي دول العالم خلال هذه الأزمة، بما فيها جيرانها الأوروبيون، حيث كان الخطاب يتراوح في أحيان كثيرة بين المبالاة والاحتقار، بل ويصل إلى السخرية كما كان الشأن على قناة "BFM TV" التي جعلت من حداد الصين على ضحاياها مادة للتنكيت، لدرجة أن أحد إعلامييها وصف الضحايا بـ"البوكيمونات".
وكان للمغرب نصيب من هذه المعاملة عندما اختار الرئيس ماكرون ضرب كل الأعراف الديبلوماسية عرض الحائط ناشرا تغريدة قال فيها "إلى مواطنينا العالقين في المغرب، هناك رحلات جوية جديدة سيتم تنظيمها قريبا من أجل تمكينكم من الالتحاق بفرنسا، لقد طلبت من السلطات المغربية القيام بكل ما هو ضروري في أسرع وقت"، حيث بدا وكأنه يوجه "تعليماته" للسلطات المغربية عبر "تويتر"، ومتناسيا أن هناك مواطنين مغاربة أيضا عالقين على أرض بلاده.
إفريقيا تعيد اعتبارها
لكن "الغرور الفرنسي" في زمن الإعلام العابر للقارات ومنصات التواصل الاجتماعي لم يواجَه بالتجاهل، فالمغرب رد رسميا على تصريحات ماكرون من خلال بلاغ لوزارة السياحة والنقل الجوي الذي أورد "أن المملكة لا تتصرف قط بناء على أي إملاء أو أمر غير لائق من سلطات أجنبية، وتتعامل مع السياح بمختلف جنسياتهم على قدم المساواة"، ثم قام نادي المحامين بالمغرب برفع دعوى قضائية ضد البروفيسور شيرا والدكتور لوشيت متهما إياهما بالتشهير العنصري.
وكان على فرنسا، التي فازت بمونديالين وكأس للأمم الأوروبية بمنتخبات قوامها لاعبون ذوو أصول إفريقية، أن تواجه أيضا ردا على خطاباتها العنصرية من لدن العديد من مشاهير القارة، وخاصة في مجال كرة القدم، فاللاعب السنيغالي ديمبا با أعاد نشر الفيديو العنصري مرفقا إياه بتغريدة تقول "مرحبا بكم في الغرب، هنا حيث الأبيض يعتقد أنه دائما متفوق لدرجة أن العنصرية والتحقير أصبحا يمارسان بسذاجة"، أما النجم الكاميروني صامويل إيتو فلم يلجأ للديبلوماسية من أجل توصيف طرفي النقاش في الفيديو، معلقا "إنهم أبناء عاهرات"!